Thursday, July 28, 2016

الدكتور عدنان ابراهيم l ما لا تعلمونه عن اللغة العربية

منهج الغزالي في التصوف

يروي الغزالي قصته عن عزمه الهرب من التعلق بالزوائل ، واختيار الطريق إلى الله بالمعرفة القلبية التي لا تكون إلا بتخلية القلب من كل حب للشهوات؛ لتكون بعد ذلك التحلية بلذة القرب من الله تعالى – بأنَّه نظر في عمله بالتدريس وجمع العلوم، فوجد أنَّه عملٌ لا يبتغى به وجه الله، وأنَّ باعثه كان الرياء والسمعة وانتشار الصيت، ساعتها أيقن الغزالي أنَّه هالكٌ ، إذا لم يعمل على تلافي تلك الأحوال، وكان مبدأ ذلك الإحساس وهو ببغداد وله من المكانة عند عامة الناس وخاصتهم ما يجل عن الوصف؛ لذلك رأى أنَّ بداية طريق التوبة أن يغادر بغداد إلى( طوس) فيلزم داره؛ حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، لكنَّه لم يستطع الإقدام على هذه الخطوة إذ كانت نفسه تنازعه في ذلك تنازعًا لا قِبل له بحسمه .
يقول الغزالي واصفًا حاله تلك ” وكنت لا تصفو لي رغبة في طلب الآخرة بُكرةً إلا ويحمل جند الشهوة حملةً فَيُفَتِرُهَا عشيةً، فصارت شهوات الدنيا تجاذبني بسلاسلها إلى المقام، ومنادي الإيمان ينادي: الرحيل! فلم يبق من العمر إلا القليل، وبين يديك السفر الطويل، وجميع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء و تخييل، ثم يعود الشيطان فيقول: هذه حالةٌ عارضةٌ، وإياك أن تطاوعها فإنَّها سريعة الزوال”.
ولقد استمرت به هذه الحال على قسوتها قرابة الأشهر الستة ، حتى ( جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار) فاحتبس صوته ، ولم يعد له إلى النطق سبيلاً ، ثم ساءت حاله جملة فترك الطعام حتى هزل ، ولم يفلح الأطباء في علاجه حتى قالوا: “هذا أمر 
نزل بالقلب ومنه سري إلى المزاج، فلا سبيل إليه بالعلاج إلا بأن يتروَّح السر عن الهم المُلِمِّ ” ثم جاء الفرج من الله تعالى بعد كامل الإحساس بالعجز ، وسقوط الاختيار بالكلية ، والالتجاء إلى الله تعالى” التجأة المضطر الذي لا حيلة له”.
لقد ظل الغزالي يبحث عن الحقيقة بعد أن عَمَرَ نور الإيمان قلبه ، فنظر في مذاهب عصره ، مستقلاً بمنهجه في البحث عن غيره ؛ إذ أراد أن يرتفع بالحقيقة من حضيض التقليد إلى يفاع الاستبصار على حد تعبيره إلى أن انتهى إلى أن الصوفية هم أرباب الحق، مبينًا أن حاصل علمهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة، وصفاتها الخبيثة؛ حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله.
ولقد أقام الغزالي تصوفه على دعائم من الفقه وعلم الكلام معًا، واضعًا نُصب عينيه موافقة عقيدة أهل السنة والجماعة، ومحاربة كل انحراف عنها، كالنزعات ( الغنوصية ) على اختلافها، والتي تأثر بها فلاسفة الإسلام، والإسماعيلية من الشيعة، وإخوان الصفا وغيرهم؛ لذلك غلب الطابع النفسي والخلقي على تصوف الغزالي ، وربما كان ذلك بسبب تأثره ببعض متصوفة القرنين الثالث والرابع ، كأبي طالب المكي والحارث المحاسبي والجُنَّيد ، وتبين له أن ما وصل إليه هؤلاء أنه لا مطمع في سعادة الآخرة إلا بالتقوى وكف النفس عن الهوى، ورأس الأمر عندهم هو قطع علاقة القلب عن الدنيا، بالتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على الله.
ويرى الغزالي كذلك أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، وذلك لأنَّ حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسةٌ من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به. كما حمل على أصحاب الشطح كأبي يزيد البسطامي والحلاج حملة شديدة وقال أن نطقهما بما تخيلوه من اتحاد أو حلول أو وصول، خطأ لا يليق بالعارفين الكُمَّل.
ويشير الغزالي في (المنقذ من الضلال) إلى ذلك قائلًا: «ثم يترقى الحال –بالصوفي- من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق. ولا يحاول معبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه ، ويوصي الذي لابسته تلك الحالة ألا يزيد على أن يقول:
وكَانَ مَا كَانَ مما لَسْتُ أَذْكُره فَظَنَّ خَيْرًا ولا تَسْأَلْ عن الخَبَرِ.
كما يقول أيضا عن وجوب الامتناع عن القول أو الكتابة فيما أسماه علم المكاشفة «موضع يجب قبض عنان القلم فيه، فقد تحزَّب الناس فيه إلى قاصرين مالوا إلى التشبيه الظاهر، وإلى غالين مسرفين جاوزوا حد المناسبة إلى الاتحاد، وقالوا بالحلول ، أما الذين انكشف لهم استحالة التشبيه والتمثيل، واستحالة الاتحاد والحلول، واتضح لهم مع ذلك حقيقة السر، فهم الأقلون».
ويرى الغزالي بوجوب الاشتغال بطب القلوب ، إذ لا يخلو قلب من علة لو أهملت لتفاقمت وكانت سببًا في هلاك الإنسان؛ لذلك فالكشف عن هذه العلل والعمل على علاجها من أوجب الأمور، وهو تحقيق قوله تعالى ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)” الشمس ، وأما من يهمل ذلك فقد صدق فيه قوله تعالى” وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)” الشمس.
ويرى الغزالي أنَّ على المريد أن يلتزم شيخًا يقتدي به، حتى لا يضيع في سبل الشيطان المتعددة ، وفي هذا يقول ” وليتمسك بشيخه تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد، بحيث يفوض أمره إليه بالكلية ولا يخالفه”. كما ألزم الغزالي الشيخ بالنظر في أمر المريدين ، واستطلاع أخلاقهم وأدوائهم، واختيار ما يناسب كلاً منهم مما تراض به نفوسهم، ويصلح به أحوالهم، وإلا كان سببًا في هلاكهم وإماتة قلوبهم.
ويرى الغزالي أن أداة المعرفة الصوفية هي القلب وليس الحواس، ولا العقل والقلب عنده ليس هو العضو المعروف، الموجود في الجانب الأيسر من صدر الإنسان، وإنما هو اللطيفة الربانية الروحانية التي هي حقيقة الإنسان، وقد يكون لها بالقلب الجسماني تعلُّق، إلا أنَّ عقول الناس تحيرت في إدراك وجه العلاقة بينهما.
كما يرى أنَّ إصلاح القلب يكون بالتزام الخلوة ، وكثرة الصمت والتأمل والجوع وإطالة السهر” إذ ليس سلوك الطريق إلا بقطع العقبات، ولا عقبة على طريق الله تعالى إلا صفات القلب التي سببها الالتفات إلى الدنيا” فإذا داوم المريد على رياضة نفسه بما تقدم حصل له الكشف الذي عرَّفه الطوسي بقوله ” الكشف هو بيان ما يستر على الفهم فيكشف عنه العبد كأنَّه رأي العين” والكشف المباشر عند الغزالي يقابل الاستدلال العقلي ، فبعض القلوب تحصِّل المعرفة بالإلهام الإلهي مبادأةً ومكاشفةً ، وبعضها يحصِّلها بالتعلم والاكتساب.
ولقد قسَّم الغزالي علوم التصوف إلى قسمين: علم المعاملة وهو ما وضعه في ( الإحياء) ، وعلم المكاشفة الذي قال عنه ” وهذا لا رخصة في إيداعه الكتب “. ويرى الغزالي أنَّ علم المكاشفة علم خفي لا يعلمه إلا أهل العلم بالله، ولذلك فإن أصحابه يستخدمون رموزًا خاصة، ولا ينبغي التحدث فيه خارج نطاق أهله، ويقول: «وأمثال هذه المعارف التي إليها الإشارة لا يجوز أن يشترك الناس فيها، ولا يجوز أن يظهرها من انكشف له شيء من ذلك لِمَنْ لم ينكشف له».
وهو يرى أنَّ الفناء مقام من مقامات علم المكاشفة ، ومنه نشأ خيال من ادعى بالاتحاد والحلول ، وهو خطأ جسيم يشبه خطأ من ” يحكم على المرآة بصورة الحمرة إذا ظهر فيها لون الحمرة من مقابلها”.
إن منهج الغزالي في التصوف ، منهج متفرد عما سبقه من مناهج شابها ما شابها من الزيغ والشطح ، وهو عودة إلى الأصل في التصوف الإسلامي الذي هو الإحسان كما في الحديث ( أن تعبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه ؛ فإنه يراك ).
بقلم : ماهر الشيال

محمد عبده رائد الاصلاح المصري

لم يكن الإمام محمد عبده صاحب سبيل نهضوي واحد، بل تعددت سبله فشملت الكثير والكثير من سياسة واجتماع وغيره، ولكنه خالف أستاذه جمال الدين الأفغاني الذي تأثر به كثيرا، عندما كان مراده وجم فكره وتوجهه إلى النهضة العلمية، إذ كان يرى أن النهضة الفارقة في العالم الإسلامي لن تتم إلا بإصلاح التعليم، وهذا على عكس أستاذه الأفغاني الذي كان يرى أن السبيل إلى النهضة لن يأتي إلا بثورة سياسية، فاختلفت الرؤى من نظرة لأخرى.
مولده وفكره واتجاهه الثوري
كانت ومازالت للإمام محمد عبده مكانته الكبيرة في الفكر الإسلامي عامة والمصري بخاصة، فهو الذي مدنا بفكر سياسيا فريد متأثرا فيه بأستاذه الأفغاني، هذا إلى جانب حركته الوطنية البارزة، لقد مثل الامام تيارا من التيارات السياسيه والفكريه التي ظهرت لتعبر عن شكل او اخر من اشكال الاستجابه لعملية التحول في مختلف جوانب المجتمع وهو التيار الاسلامي التجديدي، وفي داخل هذا التيار عبر عن منهج واسلوب متميزين وقد كان المحور الرئيسي وراء أهدافه هو النزعة إلي التجديد.
جاء مولد محمد عبده حسن خير الله عام 1266هـ/1849م في قرية محلة نصر بمحافظة البحيرة لأب تركمانى وأم مصرية تنتمي إلي قبيلة بني عدي العربية، فدرس بطنطا إلى ثم التحق بالجامع الأحمدي، ثم التحق بالجامع الأزهر، وبعد أن حصل على شهادة من الأزهر عمل مدرسا للتاريخ في مدرسة دار العلوم.
لما كان منهج محمد عبده متفتحا وإصلاحيا يرفض العنف والتصادم، جاء موقف من الثورة العرابية موقفا مذبذبا يشوبه الشك ـ وإن كان هذا في البداية فقط ـ إلا أنه شارك في النهاية في الثورة العرابية، وبعد الثورة حكم عليه بالسجن ثم نفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، ثم سافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس، غير أنه يعد مؤسس صحيفة العروة الوثقى التي بعد أن غادر من باريس إلى بيروت، أسس جمعيته التي جاءت لتحمل نفس الاسم الذي حملته الصحيفة.
محمد عبده ورؤيته للتعليم
كانت نظرة محمد عبده للإصلاح التعليمي والتربوي نظرة بارزة، ويرى أنها السبيل لا بد من طرقه حتى نصل للإزدها المرجو عامة ولا سيما الفكر السياسي، فظهر من آراءه حول هذا الموضوع أنه يقصد التعليم المدني والديني على السواء، كما أشار إلى أن يكون الدين أساسا للتربية.
ومن خلال نظرته الإصلاحية قسم النظام التعليمي إلى مراحل من خالها نصل لثلاثة طبقات تعليمية وهم العامه والساسه والعلماء، وظهر اهتمامه بالفئة الأخيرة أكثر من دونها، ثم يحث محمد عبده الطبقة الثرية على القيام بدورها في تمويل وإنشاء المدارس، من ثم يظهر تبنيه لمبدأ التكافل الاجتماعي، ودور القادرين والمالكين تجاه الوطن، غير أنه اعتبر الإصلاح التربوي سبيلا للإصلاح السياسي، كما قال إنه حاول اقناع جمال الدين الافغاني وهما في باريس بهجر السياسة والتركيز علي التربيه ولكن الأفغاني رفض ذلك.
أما عن الأزهر وتجديده فقد شن هجوما شديدا علي الدراسة فيه، ونادي بإدخال العلوم العصرية، وذلك سعيا لربط علماء الدين بمواكبة العصر، فهو لم يناد بالدراسة الدينية المنفصلة عن الدراسة المدنية بل سعي لتطوير الأزهر لا ليجعل منه جامعة مدنية؛ ولكن ليؤهل خريجيه للتعرف علي العلوم العصرية من منظور إسلامي.
ومن الجدير ذكره أنه وضع أمله الأكبر في دار العلوم لإصلاح الأزهر، بل ذهب إلى القول بإحلالها محل الأزهر، مما تسبب في عداء بينه وبين رجال الأزهر المحافظين.
محمد عبده والفكر الديني
ظهرت جرأة محمد عبده في التجديد في الفكر الديني بشكل ملحوظ، فكان من أوائل ما نادوا بتحرير الفكر من التقليد وفهم الدين علي نهج سلف الأمه، وأشاد بالعقل ونظر إليه على أنه أفضل القوى الإنسانية وأفضل ما خلق الله.
واجه في تجديد للفكر الديني تيارين كان لهما نصيب الأسد في استقطاب عقول الإمة الإسلامية ولا سيما المثقفين منها وهما تيار الجمود في إطار الظلام الفكري، وتيار التغريب القائم علي العلمانيه وضرورة الأخذ بالحضارة الغربية، والنظر إلى الدين الإسلامي علي أنه لا يواكب العصر، فهدف في تجديده إلى الربط بين الإسلام والمعاصره، وتوضيح التواؤم بين الإسلام ومتطلبات العصر واستخدم الشيخ محمد عبده مقاييس عقلانيه لإحداث مظاهر التجديد في جوانب الفكر الإسلامي فسعى لتقديم صورة للإسلام الصحيح الذي يواكب العصر، وصب جم تركيزه على الفهم والإدراك للدين لا مجرد التفقه فيه.
من ثم تلخصت دعوة الإصلاح الديني لديه في ثلاثة أمور وهي دعوته إلى تحرير الفكر من قيد التقليد وعدم خضوع العقل إلا لسلطان البرهان بحيث لا يتحكم فيه أحد، تلازم الدين والعلم وترابطهم وعدم الصدام بينهم لأن الهدف الرئيس هو تقدم الإنسان بتقديم العون له والدين والعلم كل منهم يؤدي دوره فلا غنى لهذا عن ذاك، العودة إلى سماحة وبساطة الإسلام الأولى بحيث أن تغترف من المنبع وبذلك نذيب الخلاف الذي وقع بظهور الفرق المختلفة.
وخلاصة الأمر أن الأمام قد بين أهمية الوعي بمسار التطور التاريخي، والتركيز علي دور العقل في مجال فهم الاسلام فهما صحيحا ومن ثم نادي بضروره العوده إلى منبعه واستخدام العقل الذي يتمتع به الإنسان في فهم الاسلام.
وفي الحادي عشر من يوليو عام 1905م/ السابع من جمادى الأولى 1323هـ رحل عنا الفيلسوف الديني محمد عبده، مخلفا ورائه جيلا عظيما من تلامذته كانوا هم امتدادا لنهضته العظيمة، ومنهم طه حسين، سعد زغلول، محمد مصطفى المراغي، مصطفى عبد الرازق، محمد محيي الدين عبد الحميد.
بقلم : محمد أحمد القشلان

أكذوبة الفتوحات الاسلامية



هل تريد أن أصدمك؟ إذن فاعلم أن الإسلام الذى قدموه لنا عبر قرون ليس هو الإسلام الحقيقى! الإسلام الحقيقى يا صديقى تم إخفاؤه فى مغارة سرية لأنه لم يكن على هوى الملوك والسلاطين، وبدلاً منه ظهر «إسلام الغزوات والقتل والإكراه والحرق والتعذيب»، ولكن لتخفيف وقع تلك الأشياء على القلوب تم تسميتها بـ«الفتوحات» و«نشر الإسلام وإجبار الطواغيت على إعطاء الناس حرياتهم»! وما أعظم الفتوحات خاصة إذا ما اقترنت بنشر الإسلام، ألم يقل الله تعالى «إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً»؟ نعم، كان الفتح الحقيقى هو عودة النبى صلى الله عليه وسلم إلى بلده فاتحاً لا غازياً، كان الفتح هو النور الذى دخل إلى القلوب ففتح مغاليقها، كان الفتح هو الدخول فى معية الله طواعية واختياراً لأنه يستحق أن يُعبَد، ولكن فتح النور هذا تحول على يد القدماء إلى «احتلال» لبلاد وإكراه أهلها على الإسلام! وظللنا عمرنا كله نفتخر بتلك الأيام التى كانت فيها جيوشنا قوية نغزو بها العالم، نستعمرها ونأخذ خيراتها، ونفرض عليها ديننا، ونقول ونحن نتوق شوقاً لتلك الأيام: «ليتها تعود»! من الآن يجب أن نقولها صراحةً دون خوف من الجماهير التى تجهل أو طواغيت الدين التى تريد احتكاره، يجب أن نجاهر بها مهما كانت النتائج فقد بلغ السيل الزبى ولم يعد فى قوس الصبر منزع، إذن فاعلموا أن الإسلام الذى بين أيدينا ليس هو الإسلام الذى أنزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل هو دين مختلف جد الاختلاف، لذلك يا صديقى أنا لا أعتبر أن تلك الأفهام التى استقرت عليها جمهرة من الأمة هى الفهم الصادق للإسلام النورانى العظيم، بل أعتبرها ليست من الإسلام فى شىء إذ هى تفاسير القدماء وأعمالهم ومواقفهم، هى التراث يا صديقى، وما نحن عليه الآن هو «دين التراث» أو هو ذلك الدين الذى أطلقت عليه «الدين الرابع» الذى جاء بعد اليهودية والمسيحية والإسلام. لم يكن من أهداف الإسلام الانتشار فى كل بقاع الأرض وإلا لطلب الله منا ذلك، نعم أرسله الله رحمة للعالمين، لمن يؤمن به ولمن لا يؤمن به كلاهما سواء، لم يطلب الله منا أن نصل لنتيجة مؤداها أن يكون الإسلام هو صاحب الأغلبية فى العالم، أو حتى صاحب الأكثرية، بل إن الأكثرية فى الإسلام مذمومة، ألم يقل الله تعالى «وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله»، وقال أيضاً «بل أكثرهم لا يعلمون»، وقال «وأكثرهم لا يعقلون»، و«ولا تجد أكثرهم يشكرون»، و«ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم».. وهكذا تقابلنا عشرات الآيات من القرآن الكريم، ليظهر لنا أن المسألة عند الله سبحانه ليست بالكثرة بدليل أنه قال «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً».. أما عن القلة فقال الله سبحانه عنهم «وقليلٌ من عبادى الشكور»، وقال أيضاً «وقليلٌ من الآخرين»، وقال أيضاً «وما آمن معه إلا قليل» بل إن كل الرسل تقريباً لم يتبعهم إلا قلة من أقوامهم؟! إذن، ما هى القصة الحقيaقية، القصة باختصار أن الله طلب منا أن ندعو للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وطلب منا أن نجادل أهل الكتاب بالتى هى أحسن، وطلب منا فقط أن يقتصر دورنا على التبليغ، فقال للرسول (صلى الله عليه وسلم) إن الأمم من الممكن أن تكذبكم، فماذا ستفعلون آنذاك، هل ستذهبون لهم بالسلاح، هل ستقاتلونهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا قالوها عصموا منكم دماءهم وأموالهم؟ لا والله، إن الله قال «وإن تُكَذِّبوا فقد كذَّبَ أممٌ من قبلِكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين».. البلاغ المبين فقط يا عباد الله، وتأكيداً لهذا قال الله سبحانه «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر».. لا سيطرة لك على قلوب العباد فإنك لا تهدى من أحببت ولكن الله أيها العباد يهدى من يشاء، كل دورك أن تدعو إلى الله على بصيرة يا عبدالله كما قال رب العباد لرسولنا الكريم «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى». هى الدعوة لله على بصيرة يا أخى المسلم، وإذا أردت أن أسترسل لك فى ذكر آيات القرآن التى تكلفنا بالدعوة والبلاغ المبين فقط ما وسعنى المقال. وعلى هذا فلا تعوِّل كثيراً يا أخى على ما نقله لنا التراث حول «الجزية» إذ كانت الجزية هذه هى التكأة التى استندوا عليها فى تبرير الغزوات، مع أن آية الجزية فى القرآن إن أمعنت النظر فيها لا تتحدث عن أهل الكتاب ولكن عن الذين أوتوا الكتاب، وهؤلاء غير أولئك، ولكن آية الجزية التى على الذين أوتوا الكتاب كانت مرتبطة بظرف تاريخى مرتبط بأحداث بعينها لا يجوز تعميمها، أما أسباب نزول «آية الجزية» فهى أن أمة الغساسنة التى كانت تتولى حكم الشام بالنيابة عن الروم قامت بشن حروب وغارات على الجزيرة العربية، وقتلت من قتلت، وكانت حرب تبوك التى نزلت سورة التوبة بمناسبتها حرباً تستهدف إجلاء العدو الغازى عن البلاد، وطرده من مدينة تبوك شمال الجزيرة العربية، ولذلك لم يكن سبب القتال هو إدخال هؤلاء إلى الإسلام، فالدين كما قلنا ليس فيه إكراه، ولكنها حرب تظل جذوتها مشتعلة إلى أن يتم طرد الغساسنة الغزاة، بحيث يكون الغساسنة فيها صاغرين أذلاء مجبرين على دفع جزية، والجزية من الجزاء، وهى غرامة تضمن عدم معاودتهم التعدى مرة أخرى، ولكن فى هذه الحرب هرب الغساسنة وعادوا إلى ديارهم قبل أن يصل لهم جيش المسلمين، فعاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) منتصراً، إلا أن الدارس يجد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يتتبع الغساسنة إلى ديارهم فى الشام، بل عاد إلى المدينة بعد أن عقد بعض الأحلاف والمعاهدات مع قبائل عربية كانت تستوطن شمال الجزيرة العربية، وكان آخر ما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن جهز جيش أسامة بن زيد ليستكمل تأديب الغزاة، وقال له: «وطئ بجيشك أرض الشام ثم عد»، ثم توفى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، الجزية إذن كان لها ظرفها التاريخى وسياقها الدولى، ولكن القدماء بعد ذلك استخدموها فى غير موضعها، وتحولت من عقوبة على من يغزو بلادك، إلى وسيلة فى يد المسلمين يغزون بها بلاد العالمين تحت «مُسمى إسلامى»: «فتح، وجزية، وسيف، ومصحف، والله أكبر»، وتحت راية الله أكبر تراق الدماء! الآن، لك أن تعلم أن فكرة الفتوحات هى فكرة اعتنقتها إمبراطورية عربية جديدة، أرادت أن تجد لنفسها مكانة عظيمة فى العالم، وكانت إمبراطوريات العالم وفقاً للتاريخ تقوم على غزو بلاد وضمها إلى ممالكهم، وما فعله العرب لم يكن إلا تطبيقاً لقواعد عصرهم ورغبتهم فى الاستحواذ على العالم، وكما جاءت الحروب الصليبية إلى المنطقة بنزعة استعمارية واضحة تتخفى وراء الصليب، خرجت جيوش العرب فى عهد الصحابة والتابعين تريد الاستحواذ على معظم العالم بنزعة استعمارية اختفت وراء القرآن والإسلام ونشر الدين، وأطلقوا عليها الفتوحات تشبّهاً بفتح مكة! ومن هذا التعسف فى فكرة نشر الإسلام والخروج بها من سياقها الصحيح ظهر إسلام السيف والقتال والإكراه وحد الردة، واختفى إسلام لا إكراه فى الدين، و«أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»! أما محاولات التجميل التى أجراها فريق «المبرراتية» لتلك الغزوات فهى التى أدت إلى ظهور الإخوان والقاعدة وداعش وغيرهم، ومن إسلام هؤلاء المبرراتية خرجت أفكار التعذيب وقطع الرؤوس والقتل بالحرق للمخالفين أو لغير المسلمين.. فهل نرى فقهاء كباراً يجرون مراجعة فقهية مستنيرة لأخطاء تاريخية وقع 


فيها القدماء، أو تقويم مواقف قام بها «الحواريون الأوائل»؟ لا أظن.


بقلم ثروت الخرباوي

Sunday, July 24, 2016

وعي اسلامي مختلف - اساطير يجب التخلص منها


هناك ثلاث فرق أدعوك عزيزى القارئ عدم الالتفات إليهم حينما يحدثونك عن تجديد الخطاب الإسلامي! الأول، هو فريق أن الإسلام يتعرض لمؤامرة، وأننا ــ إن شاء الله ــ لمنتصرون وقادرون على سحق أعدائنا وأن العزة فى النهاية لنا! أما الثانى فهو فريق أن الإسلام هو المشكلة وهو أصل كل الشرور وأن الحل هو الفصل التام بين الدين والدولة والسياسة والمجتمع، وجعل الدين مجرد احتفالية ثقافية فنية نسترجع فيها ذكريات الماضى دون أن نتخذ منه تعاليم أو رسائل، أما الفريق الثالث والأخير فهو فريق أن التحديث يأتى عن طريق سحق البشر لصالح الحجر وأن القائد الملهم التحديثى قادر على التطوير والتجديد والتقدم والنهضة بتقييد الحريات وانتهاك الحقوق
لن يُجدد الخطاب الإسلامى ممن لا يؤمن بالإسلام كدين جاء عن طريق رسالة سماوية له تعاليم وله منطق وله حضارة وله تاريخ يلهم بالضرورة من يؤمن به! من حق أى إنسان أن يشك فى رسالة الإسلام وألا يؤمن بها، ولكن بالمنطق لن يتمكن هؤلاء من تجديد خطاب هم أصلا غير مؤمنين به حتى لو لم يجهروا بهذه الحقيقة خوفا من دفع أثمان مجتمع مأزوم ومذعور يُفضِّل التظاهر بالإيمان للحفاظ على «النظام العام»
كما لن يجدده أيضا هؤلاء الذين لا يؤمنون بحق غيرهم فى الحياة! أولئك المتطرفون من أنصار حرق وقتل الآخر لأنه لا يؤمن بنفس الرسالة أو بنفس التعاليم! أولئك الذين حولوا الدين إلى كهنوت وكهنة معتقدون بسذاجة وجهل يحسدون عليه أن مليارات البشر الذين خلقهم الله قبلنا، والذين يعيشون معنا الآن والذين سيأتون بعدنا، كلهم فى النار وأنهم الفئة الوحيدة المختارة! وأخيرا فلن يجدد الخطاب ولا الإيمان أيضا هؤلاء الموهومون المخدوعون بفكرة القائد التحديثى الذى يتآمر عليه العام وسينتصر فى النهاية بعد أن رهنوا له العام والخاص ومازالوا يفعلون
حتى يتم تجديد الخطاب الدينى والذى هو ضرورة ملحة فى هذه الأيام، فلابد أن نفهم أننا (كمسلمين)، سواء كان إسلامنا إيمانا وعقيدة أو ثقافة أو وراثة أو وجاهة وعلاقات قوة، نعيش وسط مجموعة مسلمات شكَّلت وعينا العام ومازالت تؤثر، وهى فى الواقع ليست أكثر من أساطير مؤسسة لوعينا المعاصر ولا مفر من الاشتباك معها وتفكيك منطقها الواهم!

«وجدنا إسلاما بلا مسلمين»، لعلها الأسطورة الأكثر بؤسا تشكيلا لوعينا المعاصر! أسطورة بها قدر عجيب من الصلف والنرجسية والاستسهال والانعزال عن الواقع! العبارة يتم ترديدها منذ القرن التاسع عشر على الأقل تفسيرا لأسباب تقدم وتحضر الآخر (غربا أو شرقا) وتخلف مجتمعاتنا الإسلامية! بدلا من أن نعطى الآخر حقه فى التقدم والنهضة بأسلوبه وثقافته وتاريخه وخصوصيته، نستسهل ونعتبر أنهم يتبعون الإسلام ثم نتحسر لأن ما ينقصهم فقط هو أن يتحولوا إلى «الإسلام»! ما هذا البؤس؟! أنت لم تجد إسلاما ولم تجد مسلمين، ولكن وجدت حرية وليبرالية وديمقراطية وعدل وحوكمة وشفافية ومساءلة جعلت هذه المجتمعات تتطور للأفضل رغم ما فيها من مثالب ومشاكل وعيوب لا ينكرها أحد! حينما نتخلص من هذه النزعة المركزية البائسة فى فهمنا لتطور التاريخ البشرى (السابق والتالى للرسالة الإسلامية)، فسيكون وقتها فقط هناك فرصة للتجديد وإعادة الحياة والفهم لتعاليمنا الإسلامية!

«العودة إلى الله كسبيل للتقدم»، أعلم أن هناك حساسية كبيرة فى أن اسمى تلك العبارة «أسطورة»! لكنها الحقيقة المؤلمة التى يجب أن نعيد فهمها! العودة إلى الله لا يجب أن تكون مشروطة بأى شيء! لا قبل العودة ولا بعدها! العودة إلى الله هو شعور سرمدى تتلامس فيه الغيبيات مع الفطرة مع الخبرة الشخصية والحياتية، تتعانق فيه روح الجسد مع رسالة السماء، وهى بهذا المعنى تختلف معانيها ومعالمها من شخص إلى آخر! هناك من «يعود إلى الله» بالصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج أو غيرها من العبادات التى ربما قد يكون انقطع عنها فترة إنكارا أو شكا أو كسلا أو ارتباكا! وهناك آخر يعود إلى الله بعد أن يصحح مظالم قد قام بها فى هذه الحياة وآذى بها غيره من البشر، وهناك من يعود إلى الله بتنقية نفسه وروحه بالذكر أو التواشيح أو المديح! وآخرون يعودون إلى الله بالتأمل فى البحار أو الجبال أو بالعطف على الحيوانات أو بمساعدة اللاجئين والعاجزين ومن تقطعت بهم سبل الحياة! العودة إلى الله ليست معادلة للتقدم أو التخلف، العودة إلى الله خبرة شخصية غير مشروطة وغير محدودة ولا يمكن وصفها إلا لمن مرَّ بخبرتها، وهى بهذا المعنى لا علاقة لها بالتقدم ولا بالتخلف، فأكثر المجتمعات تقدما فى عالمنا المعاصر هى مجتمعات ينتشر بها الإلحاد!

«الإسلام ليس به كهنوت»! أشعر بالسخرية وأن الضحك يساوى البكاء كلما سمعت هذه العبارة! صحيح أن الرسالة لم يكن بها كهنوت، لكن وبنفس درجة الصحة فإن الإسلام عرف الكهنوت منذ أحداث الفتنة الكبرى وبعد وقت قليل للغاية من وفاة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)! تاريخ الإسلام منذ ذلك الحين هو تاريخ كهنوتى خالص، وما دولة الخلافة المزعومة التى يسعى إليها ويحلم بها قطاع لا بأس به من المسلمين إلا دولة كهنوتية خالصة! وما قطاع كبير من «علماء» الإسلام الحاليين إلا مجموعة من الكهنة الكبار أو الصغار وفى انتظار فرص الترقى إلى أعلى هرم الكهنوت! هؤلاء الذين يلبسون غطاء على رءوسهم فى استوديوهات مكيفة ليس بها شمس ولا حر هم كهنة!
هؤلاء الذين يتبعون «السلطان» ويحللون حلاله ويحرمون حرامه هم كهنة! هؤلاء الذين يحدثونك عن الزهد والطاعة وعدم الخروج على الحاكم، بينما هم ينعمون بالشهرة والمال من فتاوى الدين المنضبطة سياسيا هم كهنة! أولئك الذين يحرضون ضد المفطرين فى نهار رمضان أو ضد السافرات بينما يخرسون أمام الظلم والقمع والقتل هم كهنة! بل إأن هناك تراثا إسلاميا كاملا يتمحور حول «السلطان» ضد كل قيم العدل والرحمة تطور عبر قرون طويلة من الخلافة العضوض، فهل ننكر كل ذلك لنريح أنفسنا؟!

«فى انتظار ولى الأمر»! تتجادل مع الذين يكفرون ويفتون بالقتل للمخالفين، قتل المرتد وقتل غير المصلى وقتل من يشتبك مع تعاليم دينية يعتقد أنها ليست من الدين، فيباغتك أحدهم متسائلا بسخرية «وكم من المرتدين أو المفطرين أو غير المصلين قد تم قتله بالفعل؟» وحينما تسأله عن ما الذى يعنيه، يقول لك إنه حينما يقول بقتل هذا أو ذاك فإن هذا فقط للتذكرة ولإحياء رسالة الله، ولكن من سيقوم بعملية القتل «تطبيق حدود الله» هم أولياء الأمور المتدينون العارفون بالشريعة وهؤلاء لم يأتوا بعد!... حقا؟ وهل أنت الآن تطمئننى؟ أنت فقط تقول إنك فى انتظار «الأمير»! أو فى انتظار «الخليفة» أو ربما فى انتظار «داعش»! هذا ما تفعله الأخيرة بالضبط! تقوم بالقتل والترويع تحت دعوى تطبيق الشريعة والدين! هل هذا ما ننتظره؟ ثم وبعد كل ذلك تحدثنا عن سماحة الدين ووسطيته؟ الدين السمح هو الدين الذى يحترم خيارات الآخرين الحرة! الدين النصيحة! الدين المعاملة! أما القتل والسلب والنهب فهذا ليس من شريعة الله فى شىء، ولكنه أفكار وفتاوى كهنة التطرف والإرهاب والترويع باسم الدين!

«الإسلام المتآمر عليه»، بعد أن ينتهى أحدهم من تأييدك لأنك تقف ضد نظرية المؤامرة على مصر وأنت تفنِّد حجج حروب الجيل الرابع والخامس وتوابعها، تجد أن نفس هذا الشخص يرى أن الإسلام يتعرض لمؤامرة كبرى! وبنفس الطريقة، لا يستطيع أن يحدد من يقصد بالضبط! العالم كله وفقا له يستيقط وينام متآمرا على الإسلام! تحليل محتوى بسيط لخطب الكثير من الشيوخ والعلماء فى أنحاء البلاد التى تقطنها أغلبيات مسلمة، تكشف عن كارثة الغرق فى نظرية المؤامرة! الشبكة العنكبوتية مؤامرة، والسينما مؤامرة، والموضة مؤامرة! بل وحتى لو كنت مسلما موحدا وأردت أن تنتقد أو حتى مجرد تفكر بشكل مختلف وعبرت عن ذلك بالكتابة أو شفاهة فإن الوصف البسيط لأفكارك هو أنك «متآمر على الإسلام»، هكذا دفعة واحدة! مع العلم أنه لا أحد يتآمر على الإسلام ولا على المسلمين، وإن شئنا الحق، فإن أكبر مؤامرة على المسلمين، تأتى من عقول وأفكار كهنتهم، سواء كان هؤلاء الكهنة موظفين رسميين فى الدولة أو دعاة فى الفضائيات، أو دعاة شعبويين فى انتظار فرص الترقى فى سلم الكهنوت، وعندما يعتزل هؤلاء الكهنوت، ربما من الممكن أن نكون فى وضع أفضل وقتها!

هذه مجرد بعض الأساطير المؤسسة للوعى المعاصر للمسلمين وقد حان وقت تحديها وتفنيدها! أسمع أحدهم قائلا «لا تقترب من ثوابت الدين» فأرد عليه «لا تقترب أنت من ثوابت السياسة والتاريخ طالما تجهلها»!
بقلم :احمد عبدربه

Saturday, July 16, 2016

الليث بن سعد.. فقيه مصر

“صلاح بلدنا بإجراء النيل وإصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتى الكدر، فإذا صفا رأس العين صفت السواقي” بنفاذ البصر والبصيرة قال الليث بن سعد هذه الكلمات لهارون الرشيد عندما سأله عن صلاح مصر، فكما كان لمصر نصيب  كبير من الثوريين والمجددين المفكرين والصوفيين، برز لها أيضا في الفقه الليث بن سعد الذي قال عنه الإمام الشافعي: “الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به” وقال عنه الحافظ أبو نعيم: “كان الليث فقيه مصر ومحدثها ومحتشمها ورئيسها ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث أن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره يرجعون إلي رأيه ومشورته، وقد أراده المنصور أن ينوب عنه على الإقليم فاستعفى من ذلك”
مولده ونشأته. 94هـ/175هـ
هو أبو الحارث الإمام الفقيه الحافظ الحجة، شيخ الإسلام في مصر الليث بن سعد بن عبد الرحمن بن عقبة الفهمي، جاء مولده بمحافظة القليوبية في قرية تسمى قرقشندة عام 94هـ، كان الإمام الليث مولى لآل مسافر بن خالد بن ثابت بن ظاعن الفهمي من قبيلة فهم القيسية المضرية التي انتسب لها فقيهنا، وكان أبوه من موالي قبيلة قريش قبل أن يصير مولى لقبيلة فهم، قيل إن أصوله فارسية فإن جده من أصبهان ولكنه أتى مصر مع جيش عمرو بن العاص، وعلى كل حال ولد الليث بمصر وتلقى العلم على يد كبار الفقهاء والمحدثين فيها ومنهم يزيد بن أبي حبيب وعمرو بن الحارث، هذا غير ما جمعه من علماء خارج مصر، وأنه فكر عندما سمع بعلم ابن شهاب الزهري بالذهاب إليه ولكنه امتنع مخافة ألا يكون ذلك لله.
مكانته وعلمه.
كان الليث بن سعد يجنح كثيرا في فقهه إلى تقويم الأخلاق والسمو بها وبالإنسان إلى مراتب عظمى، مما حمل الشيخ مصطفى عبد الرازق على قوله: “إن الذى نهض به الليث من توجيه الحركة الفقهية فى عصره إلى الناحية الخلقية الروحية، كان من حقه أن يجعل الليث معدودا فى أئمة الصوفية الذين نهضوا بالتصوف نهضته الأولى، ونهضة التصوف الأولى كانت أخلاقية”، ويتفق عبدالرازق فى هذا الاعتقاد مع الأصبهانى صاحب “حلة الأولياء” الذى عد الليث من أهل التصوف الأول قائلا “إنه كان يعلم الأحكام مليا ويبذل الأموال سخيا”
وقال عنه عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه قال: “ما رأيت أحدا أكمل من الليث” فاتفق هذا القول مع ما قاله عثمان بن صالح: “كان أهل مصر ينتقصون علما حتى نشأ فيهم الليث”
ومن الملاحظ في عهد المهدي العباسي أن الليث كان له أربعة مجالس أولهم مع السلطان ينظر في نوائبه وحوائجه وإذا رأى مكروها في أمر السلطان أو الخليفة أرسل لأمير المؤمنين فعزله، المجلس الثاني الحديث النبوي ومن طلبه من طلاب العلم يقرأه عليهم فيحفظونه عنه بالسند الصحيح، المجلس الثالث لمن أراد فتوى أو استفسار عن مسألة بعينها، والرابع لحوائج الناس فلم يرد أحدا قط، هكذا كان يمر يوم الليث بن سعد ما بين علم وجود.
كان فقيها معتدلا لا يعرف التشدد ولا الرياء، وتذكر المصادر أنه كان ثريا، وكان يحب الطيب والتنزه في الحدائق والمتنزهات، كان لا يعرف الإسراف ولا الإمساك، ويحكى أن الإمام مالك كتب له يوما معاتبا “بلغنى أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق “أى الثياب الراقية الفاخرة” وتمشى فى الأسواق”، فكتب إليه الليث: “قال الله تعالى: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”، ومن ثم اقتنع مالك بوجهة نظر الليث فسار على نهجه حينما فتح الله عليه أبواب رزقه، فنال من زينتها ما جعل أتباعه يستفسرون عنها فيقول لهم “إن الله يحب أن يرى نعمته على عبده”
مواقفه وكرمه.
لا يذكر الليث ابن سعد إلا وذكر كرمه وحسن خلقه، كان رضي الله عنه لا يرى سعادة في وجود تعساء فكان يجود بجنون غير أنه كان يحسن الصنع فيما وهب الله من أرض خصبة، حتى قيل إنها كانت تدر عليه أكثر من عشرين ألف دينار، ومن ثم كان إذا سأل أعطى عطاء من لا يخشى الفقر، وتذكر السير أن امرأة طلبت منه رطلا من عسل لتعالج ابنها، فى وقت شح فيه العسل، فأمر كاتبه أن يعطيها مرطا من عسل “والمرط نحو مائة وعشرين رطلا” فقال كاتبه: “سألتك رطلا أتعطيها مرطا؟” فقال الليث: “سألتنا على قدرها ونحن نعطيها على قدرنا” هذا غير خراج أرضه التي كانت قرب بورسعيد فيذكر أنه ما أدخل خراجها بيته أبدا، بل يجلس أمام البيت ويعطي ما شاء الله له أن يعطي.
أما عن الفتوى فقد عانى كثير حتي يصل لكرسي الإفتاء، وكان سبب عنائه وحرمانه أنه ليس عربيا، ولكن في نهاية الأمر آلت إليه الفتوى وذلك بعد أن فاقت شهرته الآفاق، ووصل علمه ذروته، حتى قيل إن ربيعة الرأي معلم الإمام مالك لم يكن يخشى من مناظرة أحد قط إلا الإمام الليث، ومن هنا وفي عهد أبي جعفر المنصور عُرضت ولاية مصر على الليث بن سعد، ولكنه رفضها متعللا بأنه لا يصلح للولاية، مما مكن مكانته لدي الخليفة الذي يأمر كل والٍ أو قاضٍ يذهب إلى مصر بأن يستشير الليث في أموره ويحسن مثواه.
وفي يوم الجمعة للنصف من شعبان عام 175هـ رحل سراج مصر المنير، فقال خالد الصدفي: شهدت جنازة الليث فما شهدت جنازة أعظم منها.
بقلم محمد احمد القشلان

المعتزلة.. دعوة للعقل هجرها المسلمون

تأسس فكر المعتزلة على يد واصل بن عطاء في بداية القرن الثاني الهجري (80 هـ- 131 هـ) في البصرة أواخر العصر الأموي، لكنها ازدهرت في العصر العباسي.
 يعد مذهب المعتزلة أولى المذاهب التي اعترضت على النقل الأعمى وعدم إعمال العقل في القرآن والسنة والتفكر في العقيدة الإسلامية، ويعتبر ابن عطاء أحد أهم فرسان الكلمة والحكمة في العصر الأموي.
ويعتقد المعتزلة أن العقل والفطرة السليمة قادران على تمييز الحلال من الحرام بشكل تلقائي، ولارتكانهم على إعمال العقل في العقيدة وكذلك العدل، لاقت دعوتهم رواجا كبيرا من الناس نظرا لكونهم ظهروا في عصر امتلأت فيه نفوس الناس بالظلم من الحكام، مستخدمين فتوى عدم جواز الخروج على الحاكم التي كانت سيفا على رقاب كل معترض أو مظلوم وقته، ومن أشهر المعتزلة الزمخشري، صاحب تفسير الكشاف، والجاحظ، والخليفة المأمون.
وظهرت المعتزلة في البصرة بالعراق، ثم انتشرت أفكارهم في مختلف مناطق الدولة الإسلامية كخراسان وترمذ واليمن والجزيرة العربية والكوفة وأرمينيا، إضافة إلى بغداد، ويعتقد بعض العلماء أن هناك سببا سياسي لظهور المعتزلة.
وأرجع العلماء ظهور هذه الفرقة لظرف حضاري أو تاريخي؛ لأن الإسلام عند نهاية القرن الأول كان توسع ودخلت أمم عديدة وشعوب كثيرة في الإسلام، ودخلت معها ثقافات مختلفة، ودخلت الفلسفة، ولم يعد المنهج النصي التقليدي النقلي يفي حاجات المسلمين العقلية في جدالهم، والمنهج الذي يصلح لذلك هو المنهج الطبيعي العقلي، الذي سيصبح أهم المذاهب الكلامية من الناحية الخالصة، فيعد أكثر المذاهب إغراقا وتعلقا بالمذهب العقلاني.
وبدأت المعتزلة بفكرة أو بعقيدة واحدة، ثم تطور خلافها فيما بعد، ولم يقف عند حدود تلك المسألة، بل تجاوزها ليشكل منظومة من العقائد والأفكار، في مقدمتها الأصول الخمسة الشهيرة، وهي التوحيد أي إثبات وحدانيةِ الله ونفي المثل عنه، وقالوا أن صفاته عين ذاته، فهو عالم بذاته قادر بذاته لا بصفات زائدة عن الذات، ودرج مخالفوهم من المغرضين على تفسير ذلك بأنهم ينفون الصفات عن الله.
والمبدأ الثاني هو العدل، أي قياس أحكام الله على ما يقتضيه العقل والحكمة، وبناء على ذلك نفوا أمورا وأوجبوا أخرى، فنفوا أن يكون الله خالقا لأفعال عباده، وقالوا إن العباد هم الخالقون لأفعال أنفسهم إن خيرا وإن شرا.
وقال أبو محمد بن حزم: “قالت المعتزلة: بأسرها سوى ضرار بن عبد الله الغطفاني الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد وكلثوم وأصحابه، إن جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وعقودهم لم يخلقها الله عز وجل”، وأوجبوا على الخالق الله فعل الأصلح لعباده، وقال الشهرستاني: “اتفقوا – أي المعتزلة – على أن الله لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد، وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف، وسموا هذا النمط عدلا”، وقالوا أيضا إن العقل مستقل بالتحسين والتقبيح، فما حسنه العقل كان حسنا، وما قبحه كان قبيحا، وأوجبوا الثواب على فعل ما استحسنه العقل، والعقاب على فعل ما استقبحه.
والمبدأ الثالث، المنزلة بين المنزلتين، وهذا الأصل يوضح حكم الفاسق في الدنيا عند المعتزلة، وهي المسألة التي اختلف فيها واصل بن عطاء مع الحسن البصري، إذ يعتقد المعتزلة أن الفاسق في الدنيا لا يسمى مؤمنا بوجه من الوجوه، ولا يسمى كافرا بل في منزلة بين هاتين المنزلتين، فإن تاب رجع إلى إيمانه، وإن مات مصرا على فسقه كان من المخلدين في عذاب جهنم.
والمبدأ الرابع، الوعد والوعيد، والمقصود به إنفاذ الوعيد في الآخرة على أصحاب الكبائر وأن الله لا يقبل فيهم شفاعة، ولا يخرج أحدا منهم من النار، فهم كفار خارجون عن الملة مخلدون في نار جهنم، قال الشهرستاني: “واتفقوا – أي المعتزلة – على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار وسموا هذا النمط وعدا ووعيدا.
والمبدأ الخامس، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الأصل يوضح موقف المعتزلة من أصحاب الكبائر سواء أكانوا حكاما أم محكومين، قال الإمام الأشعري في المقالات: “وأجمعت المعتزلة إلا الأصم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك”، فهم يرون قتال أئمة الجور لمجرد فسقهم، ووجوب الخروج عليهم عند القدرة على ذلك وغلبة الظن بحصول الغلبة وإزالة المنكر.
ويوجد عقائد أخرى للمعتزلة، منها ما هو محل اتفاق بينهم، ومنها ما اختلفوا فيه، منها نفيهم رؤية الله عز وجل، حيث أجمعت المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، قالوا لأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله والجسم إذ لا يقع البصر إلا على الألوان وهو منزه عن الجهة والمكان والجسم واستشهدوا بآية “وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة”.
وقالوا إن القرآن مخلوق، وإن الله كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة، ونفى المعتزلة علو الله، وتأولوا الاستواء في قول القرآن: “الرحمن على العرش استوى” بالاستيلاء وقد وافقوا بذلك الأشاعرة وخالفوا أهل الحديث الذين يثبتون العُلو المكاني لله جل في علاه.
وحدثت عدة محاولات لإحياء فكر المعتزلة، في مواجهة التردي الذي تعيشه الأمة الإسلامية، لكن معظمها كانت تعاني من التأثر بالفكر الغربي، وبالتالي بدت هذه المحاولات وكأنها تلحق الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية.
بقلم زكية هداية