Friday, April 24, 2015

اجتهاد في مسالة شهادة رجل وامراتين


إن قول الله تعالى فى سورة النور (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ (7) عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)))النور 6-9
لهو أكبر وأعظم دليل قرآنى على مساواة المرأة والرجل فى الشهادة قى أدق واخطر قضية تمس شرف وكرامة المرأة والرجل على حد سواء وهى أن يقوم أحد الزوجين—الرجل أ والمراة---بضبط الآخر فى فراش الزوجية يمارس علاقة جنسية مع طرف غريب وهنا تظهر المساواة واضحة جلية حيث يأمر الله تعالى أحد الزوجين ( الرجل أو المرأة) --- فشهادة أحدهم --- أن يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وفى مقابل ذلك يشهد الآخر ضد المدعى أربع شهادات إنه –الزوج أوالزوجة—لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليه أو-- عليها – إن كان –أو كانت -- من الصادقين ، ، ويدرؤ عنها ( أو عنه) العذاب أن تشهد هى ( أى المرأة المتهمة) اربع شهادات بالله أن زوجها ( الذى يتهمها) لمن الكاذبين والخامسة أن لعنة الله عليها إن كان زوجها من الصادقين ، ولأن فرضية الىية فى بدايتها قد افترضت أن رجلاً يتهم زوجته فى عرضها ويتهمها أمام الناس أنها رآها مع رجل آخر فقد جاء المدعى بصيغة الذكر والمتهمة بصيغة الأنثى ، ويفهم من الآيات الكريمة أن نفس القانون ينطبق على المرأة لو رأت زوجها يمارس الجنس مع أخرى ، فعندئذ تقسم هى أربع شهادات بالله إنها لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليها إن كانت من الكاذبين ، وفى المقابل يدرؤ عن الزوج المتهم العذاب أن يقسم أربع شهادات بالله إنها لمن الكاذبات وأن لعنة الله عليه لو كانت من الصادقات ، وهنا نرى قمة العدالة الإلهية فى المساواة بين الرجل والمراة فى الشهادة فى أخطر واصعب قضية تواجه الإنسان فى مجمل حياته .

لو كانت شهادة المرأة تساوى نصف شهادة الرجل كما يزعمون لفرض الله سبحانه على المراة أن تقسم عددا من المرات يساوى ضعف ما أقسم الرجل و لكن عدد الأيمان ---جمع يمين بمعنى قسم ------ متساوى بين كليهما دون تفريق ( خمسة=خمسة
)

أما قول الله تعالى فى سورة البقرة الآية الكريمة رقم 282 والنى تتحدث عن التداين


(( ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) البقرة
283

فإن المتدبر المستنبط لعدالةالله سيعلم أن الآية إنما تتحدث عن التداين ( أى الإقتراض) وهى مسألة خاصة جداً لا يمكن تعميمها لتشمل شهادة المرأة أمام القضاء فى المحاكم ، ولذلك فالآية تتحدث عن زمان ومكان بعينهما قل فيها الكتبة والقادرون على القراءة والكتابة وكانوا من الندرة بحيث أن الحصول عليهم كان صعبأ ففى بداية الآية يأمر الله عباده بكتابة الديون عند الكتبة المختصين ويأمر الكتبة بتدوين الدين بدقة متناهية وعدم إنقاص شىء منه وإن كان المقترض ( الذى عليه الدين) سفيهأ أو ضعيفأ فيجب أن يحل محله قريب له لديه القدرة على الفهم والوعى بإملاء الكاتب بقيمة الدين وفى نهايه عقد التداين يجب أن يكون هناك شاهدان يجيدان القراءة والكتابة ---رجلان أو إمرأتان ---حتى يتسنى لهما قراءة العقد والتوقيع عليه بخط يديهما فإذا حدث ولم يوجد سوى شاهد واحد يجيد القراءة والكتابة يجب إحضار شاهدين آخرين لا يجيدان الكتابة والقراءة ---طالما قضت الظروف ذلك --- وسوف تكون شهادتهما شفوية فإذا لم نجد رجلين فعلينا بإحضار إمرأتين لتحل محلهما وكانت النساء فى الماضى معظمهن لا يهتم أحد بتعليمهن وقوله تعالى( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) يعنى إذا نسيت إمرأة واقعة التداين ألتى رأتها وحضرتها وشهدت بوقوعها قامت الأخرى بتذكيرها ونفس الشىء يحدث لو وجدوا رجلين لا يقرآن ولا يكتبان فإذا ضل أحدهما بمعنى نسى واقعة التداين التى حضرها وشهد على حدوثها ذكر أحدهما الآخر بواقعة التداين وذلك لأنهما لن يستطيعا التوقيع على العقد بحكم عجزهما عن الكتابة والقراءة فالآية هنا تتحدث عن مسألة القدرة على الكتابة والقراءة والتى تتيح لصاحبها أن يقرأ العقد ويوقع عليه بخط يده وقد امر الله القادرين على الكتابة والقراءة بعدم التخاذل فى تقديم خدمة كتابة العقود والشهادة عليها ( ولا يأب كاتب ولا شهيد ) كما أنهما لن يقع عليهما أى ضرر فى تلك المسألة لأنهم مجرد وسطاء خير لا أكثر ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ( ونحن فى زماننا نقرأ ونكتب جميعأ أو معظمنا تقريبأ ويستطيع طفل فى السنة الثالثة الإبتدائية أن يقوم بكتابة ذلك العقد بخط واضح جيد وأصبح الشهر العقارى متاحأ بكل مركز ومدينة ولا يمكن أن نأخذ من ذلك الموضوع سندأ قرآنيأ لكى نقول للناس أن شهادة المرأة فى الإسلام تساوى نصف شهادة الرجل وهو موضوع لن يعود بالنفع على الإسلام ولا على المسلمين اللهم إنه فقط تشويه لسمعة الدين الحنيف العظيم الذى كرم المرأة والرجل على حد سواء دون فرقة أو افضلية إلا بالتقوى التى لا يعلمها غير الله ولا نستطيع نحن البشر تقييمها ولا تقديرها
.

والشهود المذكورون فى قوله تعالى( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) هؤلاء الشهود هم رجال ونساء أو رجال فقط أو نساء فقط والخطاب بالمذكر يأتى فى القرآن عامأ ليشمل المرأة والرجل وكل من يقرأ القرآن ويتدبره يجد ذلك واضحأ جليأ فى جميع الأوامر والنواهى الربانية , أما لماذا يخاطب الله الرجل مع المرأة بصيغة المذكر فهذا أمر ليس فيه أفضلية ولكن فيه أسبقية فالكل يعلم أن الله قد خلق آدم ثم خلق حواء بعده


) ألله الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالأ كثيرا ونساء فاتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام
)) .

كلنا يعلم أن هناك امرأة مثقفة وعالمة وباحثة وذات عقل يزن عقول مئات الرجال الذين لا علاقة لهم بعلم ولا بفكر ولا بثقافة ومن ناحية أخرى هناك رجل مثقف عاقل باحث عالم ومفكر يزن بعقله عقول مئات النساء اللواتى ليس لديهن فكر ولا علم ولا ثقافة
.

هل تستوى إمرأة عالمة واعية بأخرى جاهلة ؟؟ هل يستويان مثلأ ؟؟ وهل يستوى الرجل العالم المثقف الباحث برجل جاهل ؟؟
.

ما هى الشهادة ؟ إنها النطق الشفوى أو المكتوب أو كلاهما معأ أمام القاضى أو الحاكم بحدث معين قد حدث فعلأ أمام الشاهد ورآه رأى العين ولا يمكن للشهادة بحال أن تستند على النقل السمعى أو التخمين أو التوقع وإنما الرؤية والمشاهدة الواقعية على الطبيعة
.

وهناك بعض الإستفسارت مثل هل يجب أن تتوافر فى الشاهد صفة التدين ؟ أم لا ؟ وإذا توفرت فيه فكيف لنا أن نعرف ذلك وكيف نتأكد من صلاحه وتقواه حتى نتأكد أنه لن يزور الشهادة ؟ ونحن نعلم جميعأ ان هذه مسائل غيبية بحتة لا يعلمها غير الله تعالى ولا يمكن لنا أن نجزم بتقوى إنسان معين أو صلاحه
.

أريد أن أقول هل توجدشروط معينة يجب أن تتوفر فى الشاهد ؟ هل يصح لأى إنسان الشهادة فى المحاكم علمأ بأننا نعرف بوجود خونة يمكن أن يبيعوا كل شىء الدين والشرف والكرامة والشهامة وكل الصفات العظيمة بأدنى الأسعار فهناك رجل يمكن أن يشهد زورأ مقابل فسحة جميلة مع وجبة غذائية مع بضعة دولارات وهناك إمراة يمكن أن تشهد زورأ لنفس الأسباب وعلى الجانب الآخر هناك رجل وهناك امراة شهادتهما تساوى عنقيهما أى يرضيان بالموت مقابل ألا يكذبوا وألا يزوروا
.

من هنا نأتى إلى النقطة الأخيرة وهى معايير الشهادة وفى رأيي ان الشهادة لها ثلاثة معايير لا رابع لهم أولهم حسن السمعة فى المجتمع وثانيهم المواطنة ---أى مواطن يعيش على أرض الوطن ذكر أو أنثى --- ثم الشرط الأخيرهو المشاهدة العينية للحدث المطلوب الشهادة فيه دون أى تعليق على دين الشاهد أو لونه أو عرقه أو إتجاهه الفكرى أو نظرياته أو أفكاره أو كينونته من حيث الذكورة أوالانوثة
فالمسألة اصلاً تتعلق بالمقدرة على قراءة العقد المكتوب والتوقيع عليه باليد من عدمه ، ولذلك فالشهيدان هما رجلان أى ذكران أو أنثيان  لديهما معرفة وخبرة تمكنهما من قراءة بنود العقد والتوقيع عليه ، فإن تعذر الحصول على هذين المتعلمين ( ذكران أو أنثيان) فهنا فقط يمكن أن يوقع على العقد رجل واحد ( ذكر قادر على القراءة والتوقيع ) ومعه إمرأتان تشهدان باللسان على ماحدث أمامهما فقط وذلك لعجزهما عن القراءة والتوقيع ، فإذا احتاج الأمر لقضاء وقضية وشهود يكون العقد هو شريعة المتعاقدين وفى هذه الحالة ( حالة عدم وجود شهيدين من رجالكم) سيكون على العقد توقيع الدائن والمدين أو من ينوب عنهما حسب شروط العقد ، وسيكون على العقد أيضاً توقيه شاهد واحد ذكر قادر على القراءة والتوقيع مصحوباً بشهادة المرأتين ولو ضلت إحداهما عن الحقيقة ( أى نسيت ) تقوم الأخرى بتذكيرها حيث أن شهادتهما شفوية بدون توقيع على العقد .
هذا ما افهمه من قوله تعالى ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)
وفى احقيقة أن هذه المسألة الخاصة بتديون عقود التداين هى حالة خاصة وفريدة وليس لها أى صلة بشهادة المرأة والرجل أمام القضاء فى المحاكم حيث تتساوى هنا الشهادتان ، بل إننى أزيد وأقول قد تكون هناك قضية تشهد فيها طفلة واحدة على حادث قتل أو سطو أو سرقة وتسرى شهادتها فى المحكمة .
بقلم حسن احمد عمر

آيات لفظ الرجم في القران الكريم

ذكر الرجم في خمس مواضع تتحدث عن الأمم السابقة وليس كحد إسلامي فذكرت في قصص شعيب واهل الكهف وإبراهيم والمرسلين بسورة يس وعلي لسان موسي لقومه بسورة الدخان
 
هود - الآية 91 قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
الكهف - الآية 20 إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا
مريم - الآية 46 قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا
يس - الآية 18 قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
الدخان - الآية 20 وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ


Tuesday, April 14, 2015

قطيعة الازهر للامام محمد عبده

قطيعة معرفية كاملة.. هذا ما يمكن أن نصف به موقف الأزهر اليوم تجاه فكر الإمام محمد عبده وتراثه في التفسير والفقه والإصلاح الديني، فالمناهج الدراسية الأزهرية لا تحوي حرفا واحدا مما خطه الإمام، أو مما كتبه الرواد من تلامذته ومن ساروا على دربه، حتى هؤلاء الذين تولوا منصب المشيخة الكبرى: المراغي وعبد الرازق وشلتوت.
ولا يقتصر الموقف من محمد عبده على قطاع المعاهد الأزهرية، بل يمتد إلى الجامعة، والدراسات العليا، فرسائل الماجستير والدكتوراه تقاطع تراث الأستاذ الإمام، ولا يسمح للدارسين بتناول الرؤى التجديدية والإصلاحية لعبده إلا في معرض النقد والتحذير.
لقد امتد الأثر الكبير لمحمد عبده داخل الأزهر عبر عقود، ثم أخذ هذا الأثر طريقه نحو الضعف والذبول بعد أن أصبحت أبواب مصر مفتوحة أمام الفكر الوهابي الصحراوي المدعوم بأموال النفط، وسيطر الفكر السلفي على المعاهد الأزهرية الممتدة في القرى والنجوع، مع تلاش لدور ووجود أصحاب الفكر الأشعري الذي ساد المؤسسة الأزهرية لعقود متواصلة.
ومما يعجب له متابع الشأن الأزهري، أن رسالة التوحيد لمحمد عبده كانت مقررة على المرحلة الثانوية في الأزهر خلال حقبة الأربعينات والخمسينات، وخرجت أجيال أزهرية بعد أن درست تلك الرسالة شديدة الأهمية، في محتواها ومنهجها، حيث التعامل الجريء مع أهم مسائل الأصول والعقيدة، وهو ما يمنح صاحبه اتساعا وجرأة في التعامل مع التفسير والفقه والفكر الديني العام.
إن طالبا في المرحلة الثانوية الأزهرية، يدرس تفسير فاتحة الكتاب، من خلال المناهج التقليدية التي ترسخ في وعيه وبثقة مطلقة أن “المنعم عليهم” هم المسلمون، وأن “المغضوب عليهم” هم اليهود، وأن “الضالين” هم النصارى، سيكون في الغالب أميل إلى رفض أصحاب الأديان الأخرى، ولا قدرة لديه نفسيا وذهنيا على التعايش الحقيقي مع من لا ينتمي إلى دينه.
في المقابل، يقدم محمد عبده فهما أكثر إشراقا وقربا لآيات الفاتحة، فيرى أن أصناف المنعم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالين، موجودون في كل الأمم، وبين أتباع كل الأديان، فالمنعم عليه، هو من توصل إلى ما يعتقد أنه الحق عبر تفكر وتأمل، وخضوع للأدلة والبراهين القطعية، بينما ينتمي إلى المغضوب عليهم، من اقتنع بدين أو فكر، واطمئن إلى حقيقته، ثم أعرض عنه استكبارا عن الدليل والبرهان، أما الضالون، فهم الحائرون، الذين لم يصل بهم البحث والتأمل إلى شاطئ يرسون عليه، ويرى الأستاذ الإمام أن هؤلاء الحائرين الضالين هم من الناجين السعداء في الآخرة.
ولا شك أن اعتماد فهم محمد عبده للآيات، يمنح أبناء المؤسسة الأزهرية مكسبين رئيسين: الأول، يتمثل في حالة من الانفتاح تجاه أصحاب الأديان الأخرى، أو حتى تجاه من لا يؤمن بدين، والتخلص من المشاعر السلبية، والفتاوى الهدامة، وإهدار الدماء بالتكفير عقائديا ومذهبيا، والثاني، يتمثل في تشجيع البيئة العلمية على التعامل الجريء من نصوص القرآن، وفق قواعد اللغة العربية، والتحرر من الموروث المقيد لإعمال العقل في النص الديني.
يتحمل شيوخ الأزهر المتعاقبون خلال العقود الأربعة الأخيرة مسؤولية كبيرة في إقصاء وتهميش وإبعاد أفكار الإمام محمد عبده عن الأزهر ومناهجه ودراساته العليا، لحساب أفكار الجمود والتقليد، وصولا إلى المرحلة الأخيرة التي ساد فيها التكفير والغلو وتبني رؤى العنف بين أبناء الجامعة الأزهرية طلابا كانوا أم أساتذة، لكن أمانة الرصد تقتضي أن نقر أن مشايخ الأزهر اختاروا هذا الطريق، بعد أن هيئته الدولة، وانحازت له، لاسيما في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومشيخة عبد الحليم محمود، ثم عبد الرحمن بيصار، فجاد الحق علي جاد الحق، فمحمد سيد طنطاوي، وأخيرا أحمد الطيب.
ومع إهمال تفسير الإمام وفتاواه وجهوده في الإصلاح التي استحق بها أن يكون رأس النهضة الفكرية المصرية الحديثة، لم يبق من محمد عبده في الأزهر إلا قاعة تحمل اسمه، لكن أموال النفط الخليجي أنشأت داخل الأزهر مركزا لما يسمى الاقتصاد الإسلامي، يحمل اسم رجل الأعمال السعودي صالح كامل! في إشارة واضحة إلى أن الجامعة الإسلامية الأهم في العالم، والمرجعية الكبرى للسنة في أرجاء الأرض أصبحت دائرة في فلك الأموال السعودية، والفكر الوهابي.. وهو ما يدفعنا لاستحضار البيت الشهير للإمام محمد عبده: ولكن دينا أردت صلاحه.. أحاذر أن تقضي عليه العمائم
بقلم هيثم ابوزيد.

كيفية التعامل مع التراث

قد يقف المرء المسلم المعاصر بقلة خبرته واضمحلال ثقافته وسطحية فكرته وفقده لأدوات التواصل مع التراث العلمى والفقهى الذى تركه لنا الأولون الأماجد، قد يقف حائرا عاجزا مضطربا خائفا من التعامل مع التراث العلمى الذى ولده لنا الأقدمون، وهذا العجز إما أن يولد لدى بعضهم استسلاماً تاماً لكل مفردات التراث وعبودية مطلقة لكل ما فيها بحيث إنه صار يخلط خلطا مشينا بين ثوابت الدين التى لا تتغير بتغير الزمان والمكان وبين اجتهادات الفقهاء التى ناسبت عصوراً وأزمانا مغايرة تماما للواقع الذى نحياه الآن، كما أنه لا يستطيع أن يفرق بين الفقه الإسلامى وبين الشريعة؛ الفقه باعتباره منتجًا بشريًّا صدر نتيجة جهود جماعة من العلماء الأفذاذ لهم مكنة خاصة من أدوات اللغة والفهم والتفسير وحازوا ملكات عظيمة مكنتهم من التجديد فى الدين على مر العصور، وهذه الفئة المقدسة للتراث تعد كارثة بمعنى الكلمة على الإسلام وعلومه على الرغم من تسربلها ظاهرا بالتمسك بالدين والخضوع لأحكامه.
 
وإما أن تولد هذه الحالة أيضا لدى البعض الآخر حالة عداء - إن لم تكن عدوانية - مع التراث بكل مفرداته فيسعى لهدمه ويتنكر لمصادره ولأدوات فهمه، ومهما كلفه الأمر من إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة فهو سائر فى طريقه لا يهمه شىء بل يحسب على زعمه أن هذا الهدم والتدمير ما هو إلا خدمة للدين وتطهير له من أوهام الأولين.
وكلا طرفى الأمور ذميم: تقديس التراث وتدنيس التراث.
علينا أن نحسن التعامل مع هذه الثروة الضخمة أولا بأن نتعاطى معها بأدوات وقواعد وعلوم تساعدنا على الفهم والتحليل، كما علينا أن ندرك طبيعة البيئة التى أنتجت لنا هذا التراث فنتجاوز منه عند اجتهاداتنا المعاصرة ما يجب أن نتجاوزه بحكم الزمان والبيئة، بيد أننا بالمحافظة عليه نستفيد استفادة هائلة من النظر فى مسالك وقواعد الاجتهاد عند الأولين.
فبالنسبة لقضية الحديث والإسناد، لابد أن نعلم أن الإسناد الذى نقلت به أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مجرد سلسلة من الرجال المجاهيل تناقلوا ما سمعوه دون ضبط أو إتقان أو وعى بحيث يتسنى لكل من أراد أن يدس قولا على المعصوم صلى الله عليه وسلم فإنه يسهل عليه ذلك، ومن ثم فإنه يختلط الحابل بالنابل فى الروايات، ويصير الأمر فوضى، وهذا ما ذهب إليه البعض من عدم وجود ضابط يضبط النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أى عقل يقول هذا وأى جهل بالحديث وعلوم الإسناد وبمعايير الضبط والنقل عند الرواة يدعى ما يدعيه هؤلاء، فى الوقت الذى تراكمت فيه الدراسات الغربية التى تشيد بعلوم الإسناد وبسبق المسلمين غيرهم فى الضبط والتوثيق بمفاوز لا تستطيع أية أمة أن تدعى أنها قاربت أو شابهت الأمة الإسلامية فى هذا.
الثابت عندى أن الله سبحانه وتعالى كما حفظ القرآن بمعجزة وبغير أسباب، فقد حفظ أيضا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينالها الدس والتحريف بالكلية، ولكن هذا الحفظ له أسباب وكلاهما داخل فى مفهوم قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
لقد جمعت السنة من الأمصار المختلفة جمعا دقيقا يكاد يصل إلى حد الإعجاز، ووجه هذا الإعجاز أن ما جمعه الرواة أصحاب الرحلات من الحديث ببلاد ما وراء النهر توافق توافقا دقيقا لفظا ومعنى مع ما جمعه غيرهم من بلاد الحجاز والشام والعراق ومصر، لأن الصحابة الذين تفرقوا فى الأمصار نقلوا وأدوا السنة بأمانة وحيادية ودقة أدت إلى التطابق عند الجمع مرة أخرى.
وقبل تدوين السنة قامت علوم كثيرة لخدمة الإسناد وصيانته من العبث والخلل، فقامت علوم لتحفظ أسماء الرواة وأنسابهم ووقت ولادتهم ووفياتهم، وعلوم أخرى تحفظ أحوالهم من وقت تحملهم إلى مماتهم من حيث دقة ضبطهم أو خفتهم، وعلوم تفرق بين المتشابه والمتفق بين الرواة من الأسماء والأنساب والكنى، بحيث لا يختلط راو ثقة براو ضعيف، ولما وجدوا بعض الرواة يتساهل فى صيغ التحديث كأخبرنا وحدثنا وعن، نجد أنهم ميَّزوا بين المدلسين من الرواة وغيرهم حتى لا نقع فى مزالق التدليس.. إنها بحق علوم كثيرة وضخمة ومتشابكة كلها عملت على هدف واحد وغاية واحدة ألا وهى صيانة الإسناد الناقل لحديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فكيف بنا نهدر كل هذه الثروة العظيمة الضخمة لأجل أن فلانا لا يعى ولا يدرك كيف جمعت السنة وكيف ضبطت السنة وكيف دونت وكيف شرحت وكيف استنبط منها... إلخ.
إننا لن نهدم علوم الإسلام والسنة لأن بعضهم عاجز عن فهم كيفية التعامل مع مفاتيح هذه العلوم، كما أننا لن نتركه يهدم تلك الثوابت ويحطم الجبال العالية الضخمة لأن هذا الميراث ليس ميراث الأزهر وحده ولا ميراث علماء الفتوى وحدهم، إنه ميراث وتراث الأمة المحمدية كلها
بقلم الشيخ شوقي علام 

Thursday, April 9, 2015

الاعجاز الرقمي في القرآن وتكرار كلمات بارقام متساوية

انتشرت بعض الكلمات التي تكررت بنفس العدد في القرآن الكريم كمعجزة عددية تشهد على صدق القرآن، وتعرضت هذه المعجزة لانتقاد الملحدين مراراً وتكراراً، فما حقيقة هذه الكلمات وهل الأعداد المذكورة صحيحة أم لا وهل هناك معجزة عددية بالفعل؟ هذا سؤال وردنا من أحد الإخوة الأفاضل الذين هداهم الله بسبب الإعجاز العددي.
ولذلك سوف نستعرض الحقائق الواحدة تلو الأخرى ونقوم بتصحيح الأعداد الخاطئة منها.
الدنيا تكررت 115 مرة والآخرة تكررت 115 مرة
هذه حقيقة عددية ثابتة حيث نجد أن كلمة (الدنيا) تكررت في القرآن بنفس عدد مرات ذكر (الآخرة) والتي تكررت 115 مرة. ولكن البعض انتقد هذه الحقيقة بحجة أن في القرآن عدة كلمات لم تأتِ بمعنى الحياة الدنيا مثلاً: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى) [الأنفال: 42]. حيث جاءت كلمة (الدنيا) هنا بمعنى الأدنى، وليس الحياة الدنيا.
ولكن نحن في الإعجاز العددي نتعامل مع الكلمات بغض النظر عن معناها اللغوي، إلا إذا تم الإشارة لذلك. والمشكلة أن مكتشف هذا الإعجاز لم يراعِ هذه الناحية، فجاء بكلمات تكررت بنفس العدد وفي كل مرة يعتمد منهجاً يختلف عن المرة الثانية، لذلك جاءت النتائج غير مقنعة كما سنرى.
 (الحياة) تكررت 145 مرة و(الموت) تكررت 145 مرة
غير صحيح، فالحياة مع مشتقاتها تكررت 163 مرة، والموت مع مشتقاته تكرر 161 مرة. ولكن الباحث انتقى مشتقات محددة للكلمة وأهمل بعض الكلمات، وهذا لا يجوز في الإعجاز العددي.
 (الصالحات) تكررت 167 مرة و(السيئات) تكررت 167 مرة
غير صحيح، لأن كلمة (الصالحات) تكررت 62 مرة ومع مشتقاتها 181 مرة، و(السيئات) تكررت 36 مرة ومع مشتقاتها 131 مرة. وهنا يعود الباحث ليحصي مشتقات محددة يختارها بما يناسب حساباته.
 (الملائكة) تكررت 88 مرة و(الشيطان) تكررت 88 مرة
حقيقة صحيحة ومذهلة، فقد ذكرت كلمة (الملائكة) 68 مرة، ومع مشتقاتها 88 مرة، وكلمة (الشيطان) ذكرت 68 مرة ومع مشتقاتها 88 مرة، فتأمل هذا التناسق المذهل!! نفس العدد يتكرر في كل مرة، هل يمكن لمصادفة أن تأتي بمثل هذا الإحكام؟
تكررت (جهنم) ومشتقاتها 77 مرة و(الجنة) ومشتقاتها تكررت 77 مرة
غير صحيح، فكلمة جهنم تكررت 77 مرة وليس لهذه الكلمة مشتقات، ولكن كلمة (الجنة) تكررت 66 مرة، ومع مشتقاتها 147 مرة، أما كلمة (النار) مع مشتقاتها فقد تكررت 145 مرة.
 (الرحمن) تكررت 57 مرة و(الرحيم) تكرر 114 مرة أي الضعف
غير صحيح، لأن كلمة (الرحمن) تكررت 57 مرة، ولكن كلمة (الرحيم) تكررت 115 مرة.
 (الفجار) تكررت 3 مرات و(الأبرار) تكرر 6 مرات أي الضعف
كلمة (الفجار) تكررت 3 مرات، ومع مشتقاتها 6 مرات، بينما كلمة (الأبرار) فقد تكررت 6 مرات ومع مشتقاتها 20 مرة. لذلك لا أدري كيف يمكن أن نتعامل مع هذه الأعداد هنا. فالمؤلف لهذا البحث تارة يعد الكلمة مع مشتقاتها وتارة من دون مشتقاتها حسب ما ينضبط معه الحساب، وهذا الأسلوب الانتقائي غير صحيح وليس من أساليب البحث العلمي.
 (النور) ومشتقاتها تكررت 24 مرة و(الظلمة) ومشتقاتها تكررت 24 مرة
غير صحيح، فكلمة (النور) مع مشتقاتها تكررت 49 مرة، بينما (الظلام) مع مشتقاته تكرر 26 مرة.
 (العسر) تكررت 12 مرة و(اليسر) تكرر36 مرة أي ثلاثة أضعاف
غير صحيح، فكلمة (العسر) مع مشتقاتها تكررت 12 مرة، بينما كلمة (اليسر) مع مشتقاتها تكررت 39 مرة، والحقيقة لا أدري لماذا يأتي بعض الباحثين بأعداد غير صحيحة، على ما يبدو أن السبب وراء ذلك هو البحث عن بريق الشهرة وليس عن الإعجاز!
 (قل) تكررت 332 مرة و(قالوا) تكررت 332 مرة
صحيح، وهذا يدل على أن الإسلام دين الحوار، ولذلك جاءت كلمة (قل) فتكررت 332 مرة وبنفس العدد تكررت كلمة (قالوا) أي 332 مرة.
لفظة (الشهر) بلغ 12 مرة والسنة هي 12 شهراً
صحيح، بشرط أن نحصي كلمة (الشهر، شهراً، شهر) بالمفرد دون أن نحصي كلمات (أشهر، شهرين...)، لنجد أن (الشهر) و(شهراً) تكررت 12 مرة بعدد أشهر السنة.
لفظة (اليوم) بلغ عددها 365 مرة و السنة 365 يوماً
صحيح، بشرط أن نحصي الكلمة في صيغة المفرد فقط، فقد تكررت كلمة (يوم، اليوم، يوماً) 365 مرة في القرآن كله بعدد أيام السنة الشمسية (تقريباً)، ولم يتم هنا إحصاء كلمة (أيام، يومين...).
مشكلة مثل هذه الأبحاث
إن مثل هذه الأبحاث فيها نقطة ضعف أساسية وهي أنه لا يوجد منهج ثابت للباحث، فتارة يعد الكلمة مع مشتقاتها، وتارة من دون مشتقاتها، ثم يعد كلمة أخرى حسب المعنى اللغوي، وفي كلمات يعدها حسب لفظها بغض النظر عن معناها، وتارة يأتي بكلمتين متعاكستين في المعنى اللغوي مثل الدنيا والآخرة، ثم يأتي بكلمتين لا علاقة بينهما، مثل الهدى والرحمة، فهناك كلمات كثيرة مرادفة لها مثل المغفرة والتقوى والإحسان وغير ذلك، فلماذا اختار هاتين الكلمتين بالذات؟؟
لذلك نجد في هذا البحث الكثير من الكلمات مثل (المحبة) و(الطاعة) - (الهدى) و(الرحمة) - (الشدة) و(الصبر) - (السلام) و(الطيبات) - (الجهر) و(العلانية)، بغض النظر عن مدى صحة الأعداد الواردة بشأنها (ومعظمها غير صحيح) فإنني لا أدري لماذا اختار الباحث هذه الكلمات بالذات وما العلاقة بينها، فمثلاً: لماذا اختار المحبة والطاعة وقرن بينهما؟ مع العلم أن (المحبة) ذُكرت 83 مرة مع مشتقاتها، أما (الطاعة) فقد ذكرت 84 مرة، والذي يبحث في مشتقات كل كلمة يجد صعوبة في تحديد ما يختار، وهنا تلعب عملية الانتقاء دوراً، وهو ما نرفضه في الإعجاز العددي، حيث نشترط أن يتبع الباحث منهجاً ثابتاً من أول البحث وحتى آخره.
إعجاز أم لطائف؟
بسبب عدم وضوح مثل هذه الأبحاث فإننا نرى بعض العلماء يفضلون إطلاق مصطلح "لطائف عددية" على مثل هذه التناسقات وأنها لا ترقى لمستوى المعجزة، ولكن رأيي الشخصي أن أي تناسق عددي في القرآن هو معجزة، لأنه أكبر بكثير من طاقة البشر. فمثلاً لو طلبنا من أديب أو شاعر أو كاتب أن يؤلف لنا قصة أو قصيدة بحيث تتكرر كلمة (قل) 332 مرة وكلمة (قالوا) 332 مرة، فإن النتيجة أنه سينصرف كل جهده وتفكيره نحو هاتين الكلمتين، وسيسعى جاهداً لاختراع جمل تحوي هاتين الكلمتين، وسوف تكون القصة أو القصيدة أشبه بالكلمات المتقاطعة لا معنى لها.
وهذا هو سر الإعجاز في القرآن أنك عندما تقرأه تشعر بأنه محكم في آياته، وقوي في أسلوبه ورائع في بلاغته، ولا تشعر بأي تصنع أو ركاكة، هذا بالنسبة لتكرار كلمة واحدة، فكيف إذا طلبنا من هذا المؤلف أن يقوم بإعداد كتاب كامل مع مراعاة تكرار كل كلمة... إنه عمل مستحيل!
إنني أتوقع أن كل كلمة من كلمات القرآن تكررت بنظام عددي محكم، ولو تأملنا الأمثلة المبهرة في الإعجاز العددي، لرأينا تناسقات محيّرة والتي إن دلَّت على شيء فإنما تدل على أنه لا يمكن لبشر أن يأتي بمثل هذا القرآن. فعلى سبيل المثال تكرر ذكره (آدم) في القرآن 25 مرة واسم (عيسى) ذُكر في القرآن 25 مرة، هذا التماثل أشار إليه القرآن في آية عظيمة يقول فيها تبارك وتعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: 59]. وهناك أمثلة كثيرة تؤكد أن القرآن معجز في أعداد كلماته وحروفه وترتيب آياته وسوره.
وخلاصة القول:
يجب على الباحث في الإعجاز العددي أن يتبع منهجاً علمياً ثابتاً في بحثه ليكون مقنعاً للمسلمين قبل غيرهم، والقرآن مليء بالأسرار العددية ولكن لا نستعجل في نشر أي بحث قبل التأكد منه، فليس الهدف البحث ذاته، بل الهدف إقناع غير المسلمين به، وربما يكون هذا هو السبب الحقيقي لضعف أبحاث الإعجاز العددي وعدم تأثيرها على غير المسلمين
بقلم عبد الدائم الكحيل